Chapter 17: ظلال المدينة

زهرة اللامرئي 351 words
لم يمر سوى يومين بعد عودة الثلاثة من "مرآة السكون"، حتى بدأت المدينة تهتز على نحو لم يسبق له مثيل. السماء غطتها سحب كثيفة، لا شمس تُرى ولا قمر. أصوات حيوانات الليل ارتفعت في وضح النهار، والطيور أخذت تحلّق في دوائر مضطربة فوق الأبنية. الكهرباء انقطعت مرارًا، ومع كل انقطاع، كان الناس يحلفون أنهم رأوا عيونًا حمراء تتلألأ في الظلام. في المقهى، تجمّع الناس خائفين. أحدهم قال وهو يلهث: — رأيت جدارًا يتنفس! والله رأيته يتحرك مثل صدر إنسان! آخر أضاف: — الشارع كله امتلأ بقطط سوداء... لكنها لم تترك أثرًا حين مشت على الغبار. سلمى جلست في ركن، تكتب بعصبية. كلماتها لم تكن قصة هذه المرة، بل وصفًا لما يحدث حولها. مروان جلس بجانبها، وجهه شاحب. قال بصوت خافت: — عاصم يُسرّع الأمر. لم يعد يكتفي بالتهديدات. أومأت برأسها، دون أن ترفع عينيها عن دفترها: — إنه يختبر أعصابنا... يريدنا أن نفقد صوابنا قبل المواجهة. في الخارج، كان الشيخ ناصر يحاول تهدئة الجيران. رفع صوته بنبرة صارمة: — لا تتركوا منازلكم! تحصّنوا بالدعاء. هذا ابتلاء، ولن يطول. لكن عينيه كانتا تكشفان خوفًا داخليًا. لقد أدرك أن الظلال لم تعد مجرد رؤى؛ إنها تتحول إلى واقع ملموس، يلامس الناس جميعًا. ليان ظهرت قرب الغروب، وجهها متوتر أكثر من المعتاد. دخلت المقهى وجلست معهم بسرعة. قالت بلا مقدمات: — الشرخ يتسع. عاصم لم يعد يعمل وحده... لقد استدعى حُجّابًا آخرين ليدعموه. مروان: — إذن نحن لا نواجه شخصًا واحدًا؟ هزت رأسها: — لا... سنواجه جوقة كاملة من الأرواح القديمة. كلما تأخرنا، زادت قوتهم. سلمى ضربت الطاولة بيدها: — لا وقت إذن! لن ننتظر حتى تنهار المدينة. أمسك مروان يدها ليهدّئها، ثم نظر إلى ليان: — ما خطوته القمروانة؟ أجابت بنبرة حاسمة: — سيحوّل المدينة إلى "مرآة واسعة". سيجعل كل خوفٍ في قلوب الناس يتجسد أمامهم... حتى ينفجر الحاجز تمامًا. وبينما كانوا يتحدثون، دوّى صراخ من الشارع. اندفعوا إلى الخارج فرأوا مشهدًا يفوق التصديق: امرأة تهرب، وهي تطاردها نسخة مظلمة منها، بنفس الوجه والجسد، لكنها بلا عينين. في مكان آخر، وقف طفل يبكي، أمامه ظل هائل يرتفع كجدار، يحاول أن يبتلعه. المدينة كلها صارت ساحة أشباح. مروان قبض على يده بعزم، صوته يعلو رغم الاضطراب: — لن نسمح له بالسيطرة. حان وقت المواجهة.

Comments (0)

Login to leave a comment

No comments yet. Be the first to share your thoughts!