Chapter 12: الهجوم الأول
زهرة اللامرئي
دينا عزيز
9/17/2025
326 words
كان الليل هادئًا في المدينة، لا شيء يُسمع سوى ضجيج بعيد لسيارة تمرّ بين الحين والآخر. جلست سلمى في المقهى المعتاد، دفترها مفتوح أمامها، لكنها لم تكتب حرفًا. كانت تشعر أن الكلمات تفرّ منها منذ أن قصّ عليها مروان حكايته عن البيت المهجور وليان.
رفعت رأسها، فرأت ظلًا يمرّ عبر النافذة. لم يكن ظلًا عاديًا: تحرّك ببطء، كأن له إرادة، ثم توقف عند الزجاج. للحظة، خُيّل إليها أن عيونًا حمراء صغيرة تلمع من داخله.
شهقت، وأسقطت قلمها. نظرت حولها؛ لا أحد انتبه. النادل ينشغل بمسح الطاولات، وزبائن المقهى يتحدثون بلا اكتراث.
همست لنفسها:
— ما هذا...؟
لكن قبل أن تكمل التفكير، امتدّ الظل إلى الداخل، متسللًا على الأرضية كدخانٍ زاحف، متجهًا نحو قدميها. حاولت الحركة، لكن جسدها تثاقل، كأن الأرض أمسكت بها.
سمعت صوتًا غريبًا، ليس في أذنها بل في عقلها:
— ابتعدي عن مروان... أو ستذوبين في العدم.
ارتجفت، قلبها يخفق بقوة. حاولت أن تصرخ، لكن الكلمات انحبست في حلقها. رفعت يديها، تلمس الهواء، فرأت أصابعها ترتج وهي تغوص للحظة في دخان الظل وكأنها تمرّ عبر ماء بارد.
فجأة، انطفأت أضواء المقهى. عمّت العتمة، وارتفعت الهمسات من كل زاوية: "اتركيه... اتركيه..."
أغمضت سلمى عينيها بقوة، وهمست:
— لست خائفة... لن أتركه.
حين فتحت عينيها، عاد الضوء، وعاد كل شيء طبيعيًا: الزبائن في أماكنهم، النادل يضحك مع أحدهم، لا أثر للدخان. لكن دفترها على الطاولة كان قد تغيّر: الصفحة البيضاء امتلأت بكلمات لم تكتبها، مكتوبة بخطٍ داكن متعرج:
"المرة القادمه، لن تنجين."
في الجانب الآخر من المدينة، كان الشيخ ناصر يغلق دكانه حين شعر برياحٍ باردة تلف المكان. رفع رأسه، فإذا بظلٍ طويل يتمدد على الجدار. أمسك مسبحته بقوة، وتمتم بأدعية يعرفها. لكن الظل لم يختفِ؛ بل تشكّل أمامه كجسدٍ غامق يبتسم ابتسامة بلا فم.
قال الشيخ بصوتٍ مبحوح:
— أعوذ بالله... من أنت؟
جاءه الرد كالصفير:
— مجرد بداية...
اندفع الظل نحوه، فأغلق الشيخ عينيه وأطلق صيحة قوية. وحين فتحهما، كان يقف وحده في الزقاق، والبرد يتسرب إلى عظامه.
لكنه وجد عند قدميه شيئًا لم يكن هناك من قبل: وردة سوداء، بتلاتها كأنها رماد محترق
Advertisement
No comments yet. Be the first to share your thoughts!