Chapter 20: عالم الظلال

زهرة اللامرئي 293 words
ما إن عبروا البوابة حتى انقلبت القوانين كلها. الهواء أثقل من أنفاسهم، والضوء لا يشبه ضوء الشمس ولا القمر، بل بريق بارد يخرج من شقوق الصخور السوداء. الأرض كانت أشبه بمرآة هائلة، تعكس صورهم مشوّهة: وجوه أكبر من حجمها، عيون ممتدة بلا جفون، وخلفهم دائمًا ظلّ يسبقهم بدلًا من أن يتبعهم. قالت سلمى بارتباك: — هل نحن نمشي... أم أننا انعكاسات في مرآة أحدهم؟ أجابتها ليان بنبرة صارمة: — هذا عالم عاصم. هنا لا يسري إلا قانونه. يجب أن نتذكر أن ما نراه قد يكون خدعة. تقدموا ببطء. الأشجار التي مرّوا بجانبها لم تكن أشجارًا حقيقية، بل هياكل زجاجية تتنفس، وعندما يلمسها أحدهم، تهمس بصوت أشخاص يعرفهم. مروان توقف عند واحدة منها، فإذا بها تهمس بصوت والدته: — عد إلى البيت يا بني... لا شأن لك بهذا. شدت ليان يده بعيدًا: — لا تصغِ. كلما أصغيت، ازدادت قبضته عليك. كلما مشوا، تكاثرت الكائنات حولهم: وجوه بلا أجساد، وأذرع تخرج من الأرض وتحاول سحب أقدامهم، لكن سلمى قرأت بصوت عالٍ من دفترها: — "الخطوة ثابتة رغم العاصفة". فانكمشت الأذرع واختفت. نظر إليها مروان بإعجاب، وهمس: — كلماتك تصنع طريقًا. ابتسمت رغم خوفها: — لعلها هذه المرة تنقذنا. بعد مسافة طويلة، وصلوا إلى قصر هائل يرتفع في الأفق، مبني من الظلال وحدها. كان يتغير شكله كل لحظة: مرة يبدو كبرج، ومرة كأطلال مسجد، ومرة كغابة متشابكة. قالت ليان بصوت منخفض: — هناك ينتظرنا... عاصم. سلمى شدّت حقيبتها على صدرها، ومروان قبض على الوردة الغريبة التي باتت تتوهج بخفوت كلما اقتربوا. فجأة، توقفت الأرض عن الاستقرار. القصر بدأ يتصدع من الداخل، وارتفع صدى صوت مألوف في الفضاء كله: — ظننتم أنكم اجتزتم الامتحان؟ أنتم لم تروا شيئًا بعد. عاصم لم يظهر بعد بجسده، لكن حضوره ملأ المكان كالريح الباردة. مروان قال بعزم وهو ينظر إلى رفيقتيه: — هذه الأرض أرضه، لكن قلوبنا ليست له. فلنتمسك ببعضنا.

Comments (0)

Login to leave a comment

No comments yet. Be the first to share your thoughts!