Chapter 18: طريق المواجهة

زهرة اللامرئي 417 words
لم يعد هناك متسع للتردّد. أصوات الناس في الخارج تتعالى، بين بكاء وصرخات، وظلال تتكاثر على الجدران كأنها كتابة سوداء لا تُمحى. داخل المقهى، جلس الأربعة: مروان، ليان، سلمى، والشيخ ناصر. الصمت بينهم كان أثقل من الكلام. قال مروان أخيرًا: — إذا انتظرنا أكثر، سيبتلع الشرخ المدينة كلها. لا بد أن نواجهه الآن. نظر إلى ليان، فوجدها مترددة. أجابت: — المواجهة ليست سهلة. بوابة عالمه لا تفتح إلا بثلاثة مفاتيح: قلبٌ شجاع، قلمٌ صادق، وروحٌ متجذرة بين العالمين. رفعت سلمى حاجبيها: — "قلم صادق"... هل تقصدينني؟ ابتسمت ليان ابتسامة باهتة: — كتابتك ليست مجرد حبر. إنها تعكس ما لا يراه الآخرون. لهذا أنت جزء من الطريق. أما "القلب الشجاع"، فقد تطلعوا كلهم نحو مروان. والـ"روح المتجذرة"... لم يكن غير ليان. قال الشيخ ناصر وهو يضم سبّحته بقوة: — إن كان لا بد من الدخول، فاذكروا الله ولا تلتفتوا. سأبقى هنا لأحمي الناس بما أستطيع. اقترب منه مروان ووضع يده على كتفه: — وجودك معنا أهم مما تظن. أنت من يثبتنا حين نتأرجح. لكن الشيخ هز رأسه: — معركتكم ليست معركتي. أنتم المفاتيح الثلاثة. أما أنا، فواجبي أن أحمي من تبقى هنا. في تلك اللحظة، دوّت ضربة قوية على نوافذ المقهى. انكسرت إحدى الزجاجات، وتدفق منها دخان أسود تحوّل إلى وجه ضاحك لعاصم. قال بصوت يجلجل: — تفكرون بالقدوم إليّ؟ تعالوا إذن... ستجدون أن الطريق ليس كما تحلمون. ثم اختفى، تاركًا أثرًا من البرد في الهواء. ليان نهضت، جسدها يرتعش من الغضب: — إنه يتلاعب بنا. لن أدعه يمحو المدينة. سلمى جمعت دفاترها وأغلقت حقيبتها بإحكام. مروان أمسك وردته الغريبة التي وُجدت على مكتبه في البداية، ورفعها أمامهما: — هذه كانت البداية... ولتكن الآن المفتاح. خرج الثلاثة من المقهى. المدينة صارت متاهة من الظلال، لكنهم ساروا في وسطها بثبات. كل خطوة كانوا يخطونها، كانت الشوارع تتغيّر: الحجارة تتنفس، الأبواب تفتح وتغلق بلا أحد، والسماء تقترب كأنها سقف من دخان. قالت ليان بصوت خافت: — نحن نقترب من "العتبة". عندما تظهر، علينا أن نكون متّحدين تمامًا... أي شكّ سيفتح ثغرة يدخل منها عاصم. مروان ردّ وهو يضع يده في يدها: — لن نشك. وسلمى أضافت: — لن أتوقف عن الكتابة حتى آخر نفس. عند أطراف المدينة، ظهر ما يشبه مرآة عملاقة، ترتفع بين عمودَي ضوء أزرقين. سطحها لم يكن يعكس صورهم بل يعكس مخاوفهم: في داخلها، رأى مروان نفسه وحيدًا، وليان رأَت قيود عالمها، وسلـمى رأت دفترها يحترق. ليان رفعت يدها: — هذه هي العتبة. إذا دخلنا... لن نعود كما كنّا. مروان تنفّس بعمق، وقال: — فلنخُطْ أول الطريق. وتشابكت أيديهم، ثم خطوا داخل المرآة، تاركين وراءهم مدينة تصرخ بالظلال، وداخلهم خوف يتقلب لكنه لم يعد أقوى من عزمهم

Comments (0)

Login to leave a comment

No comments yet. Be the first to share your thoughts!