Chapter 10: اعترافات ليان

زهرة اللامرئي 430 words
بعد أن انحسرت الأذرع السوداء، خيّم الصمت على الغرفة. رائحة الرماد ما تزال عالقة في الهواء، ووجوههم جميعًا مصفرة من الذعر. ليان وقفت وسط المكان، ضوءها يتلاشى تدريجيًا حتى عادت ملامحها أكثر بشرية، لكن عينيها ظلّتا تلمعان كجمرٍ تحت الرماد. قالت سلمى وهي تلهث: — ما الذي يحدث؟ لماذا تطاردنا هذه الظلال؟ التفتت ليان إليهم ببطء، ثم نظرت إلى مروان نظرة طويلة قبل أن تجيب: — لأنك كتبت، ولأنني استجبت. رفع مروان حاجبيه، مرتبكًا: — كتبتُ فقط في دفاتري... لا أكثر. ابتسمت ابتسامة حزينة: — في عالمكم، الكتابة حروف على ورق. في عالمنا، الحرف باب، والكلمة جسر. كل ما خططتَه عني، كل صورة رسمتها بخيالك... كنتُ أسمعها، وأشعر بها. إلى أن صار صوتك أقوى من أن أتجاهله. جلس الشيخ ناصر أرضًا، مسح على جبينه: — إذن هو لم يتوهم. كلماته حقًّا فتحت البوابة. أومأت ليان. — نعم. والبوابة ليست مجرد ممر. إنها عهد. وأي عهدٍ بين العالمين لا يمر دون ضريبة. اقترب مروان خطوة، عينيه معلقتان بها: — وما الضريبة؟ صمتت لحظة، ثم قالت بصوتٍ متردد: — إنسان يدخل عالمنا... لا يعود كما كان. يترك جزءًا من روحه هناك. البعض يذبل، البعض يتحول، قليل جدًا ينجو. شهقت سلمى، وضمت دفترها إلى صدرها: — يعني أنكِ أخذتَ جزءًا منه بالفعل؟ هزت ليان رأسها بسرعة: — لا! لم آخذ شيئًا بيدي. لكن عاصم... هو من ينتظر أن يأخذ الثمن. كلما اقترب مروان مني، كلما صار الثمن أثقل. جلس مروان على كرسي مكسور، قلبه يطرق صدره: — إذن أمامي خياران: أن أبتعد عنك، فأغلق الباب... أو أقترب أكثر، فأدفع ثمنًا لا أعرفه. — ليس الأمر بهذه البساطة. — قالت ليان. — الباب فُتح بالفعل. حتى إن ابتعدت، لن يُغلق وحده. عاصم سيظل يطالب بحقّه. صمت الجميع، كأن الكلمات أثقل من أن تُحمل. ثم رفع الشيخ رأسه وقال: — إن كان الباب مفتوحًا، فلا بد من طريقة لإغلاقه. نظرت ليان إليه بعينين مليئتين بالمرارة: — هناك طريقة، لكنها لا تُستخدم إلا في الحالات القصوى. — ما هي؟ — سأل مروان بسرعة. خفضت بصرها، كأنها لا تجرؤ على مواجهته: — التضحية. إما أن أعود وحدي، وأقطع الخيط بيننا للأبد، أو... أن تعبر أنت بالكامل، وتصبح جزءًا من عالمنا. ساد صمت طويل. سلمى وضعت يدها على فمها، والشيخ ناصر أطرق رأسه. أما مروان، فقد شعر كأن الأرض تميد تحته. — لا... — همس. — لا يمكن أن يكون هذا هو الاختيار الوحيد. اقتربت منه ليان، نظرتها هذه المرة لم تكن حزينة فقط، بل مملوءة بحبٍ متمرد: — لو كان بيدي، لأخترت أن أبقى هنا إلى الأبد. لكن قوانين عالمنا لا ترحم. وعاصم لن يتركنا نقرر وحدنا. مدت يدها ولمست وجنته، باردة وناعمة كنسمة ليلية، وقالت: — أريدك أن تعرف الحقيقة كاملة... قبل أن يقرر هو عنك.

Comments (0)

Login to leave a comment

No comments yet. Be the first to share your thoughts!