Chapter 8: علامات على الأصدقاء
زهرة اللامرئي
دينا عزيز
9/17/2025
456 words
في اليوم التالي لمواجهة عاصم، استيقظ مروان بجسدٍ مرهق، كأنه قضى الليل كله في معركة حقيقية، لا في غرفة صغيرة. عيناه محمرتان، وصدره ما يزال يثقل كلما تذكّر نظرات الجمر التي اخترقته. حاول أن يكتب عمّا جرى، لكن يده كانت ترتجف كلما خطّ اسم "عاصم".
خرج إلى الشارع ليتنفس. أراد أن يلتقي بسلمى، ربما يجد عندها ما يعيد له بعض توازنه.
في المقهى، كانت سلمى تنتظره بوجهٍ شاحب. لم تكتب شيئًا هذه المرة، ولم يكن دفترها أمامها. عندما جلس، رفعت عينيها وقالت بصوتٍ منخفض:
— مروان... هل حدث شيء غريب عندك البارحة؟
تجمد، شعر ببرودة في عروقه.
— لماذا تسألين؟
— لأنني رأيت كابوسًا غريبًا. كنتَ أنت فيه، لكنك لم تكن أنت. كان ظلك أكبر منك، يلتف حولك... وفي النهاية سمعت صوتًا يناديني باسمٍ لا أعرفه: ليان.
شهق مروان.
— حتى في أحلامك؟!
أطرقت رأسها، ثم رفعت عينيها، والقلق فيهما حقيقي:
— أخبرني بصدق، هل أدخلتني في شيء لا أستطيع احتماله؟
لم يعرف ماذا يقول. مد يده فوق الطاولة، حاول أن يلمس يدها ليطمئنها، لكنها سحبتها قبل أن يصل إليها.
— أنا صديقتك، يا مروان، — قالت — لكن إن كان ما تراه يطاردني أيضًا... فأنا لا أعرف إن كنت أستطيع الاستمرار.
ترك كلماتها تخترق قلبه كسكين. أدرك لأول مرة أن الظل لم يعد يطارده وحده.
عند الغروب، قصد الشيخ ناصر. وجده جالسًا في مكانه المعتاد، لكن هذه المرة كان مختلفًا. ملامحه غائمة، عينيه نصف مغمضتين كأنه يعاني صداعًا عميقًا.
جلس مروان إلى جانبه:
— شيخ ناصر... أحتاجك.
فتح الشيخ عينيه ببطء، ونظر إليه بنظرة ثقيلة.
— لم يكن يجب أن تعود إلى البيت.
— أعرف... لكن الأمر صار خارج يدي. عاصم ظهر لي، في غرفتي.
تصلبت يد الشيخ على مسبحته، كأن الكلمة نفسها أيقظت فيه شيئًا.
— وهل لمسك؟
— لا، لكنه هددني... وهددها.
أغمض ناصر عينيه، همس بصوتٍ مرتجف:
— إذن هو بدأ يمد جسوره للعالم.
اقترب مروان أكثر:
— ماذا تقصد؟
التفت الشيخ نحوه، وفي عينيه خوف لم يره فيه من قبل:
— هذه الليلة، رأيتُه أنا أيضًا. ليس في حلم ولا خيال. في دكاني المغلق... كان ظلًا على الحائط، يراقبني بصمت. كأنما يريد أن يقول: "أنت التالي."
تجمد مروان.
— إذن حتى أنت...
أومأ الشيخ، وأكمل:
— لقد تجاوزتَ مرحلة الخطر الفردي، يا بني. الظل لا يهاجم واحدًا فقط. إنه يتسرب إلى كل من يلمسك، كل من يعرف قصتك.
شعر مروان برعشة باردة في جسده. نظر إلى الشارع المزدحم، إلى الناس الذين يمضون في حياتهم دون أن يدروا. تساءل كم منهم سيطالهم هذا الظل إذا بقي على قربه من ليان.
عاد إلى شقته مثقلًا بالذنب أكثر من الخوف. جلس أمام الوردة السوداء التي لم تذبُل بعد، وكأنها تغتذي من حضوره. تمتم:
— ماذا أفعل بكِ يا ليان؟ هل وجودك خلاص لي... أم لعنة على كل من حولي؟
لكن الوردة بقيت صامتة، تُشع بريقًا خافتًا في العتمة، كأنها تجيب بلغة لا يفهمها بعد
Advertisement
No comments yet. Be the first to share your thoughts!