Chapter 7: ظهور عاصم

زهرة اللامرئي 431 words
تجمّدت اللحظة بين الصمت والرهبة. مروان واقف قرب ليان، يداها الباردتان متشابكتان بيديه، فيما الظلام من حولهما صار أثقل من الهواء نفسه. الصوت العميق الذي نطق باسمها لم يختفِ، بل بدا أنه يتردد في جدران الغرفة، يطرق على صدر مروان بقوة تجعل قلبه يرتجف. — أظهري نفسكِ، ليان. — عاد الصوت، أكثر وضوحًا، أقرب، حتى كاد يُرى. ارتجفت أضواء الشارع في الخارج، وخرج من زاوية الغرفة ظلام طويل راح يتمدد على الأرض والجدران، يتجمع شيئًا فشيئًا حتى تكوّن شكل رجل. طويل، مهيب، ملامحه غير مكتملة لكن عينيه كانتا جمرتين تقدحان في الظلام. مروان شهق دون أن يعي، وليان خطت أمامه، كأنها درع بينه وبين الكيان. — عاصم... لا مكان لك هنا. — قالت بصوت حاولت أن تجعله ثابتًا. ابتسم الظل ابتسامة لم تكن ابتسامة، بل شقًا أسود في وجهه: — بل هنا بالضبط مكاني. لقد تجاوزتِ حدّك، وليان. اخترتِ بشريًا بدل أن تختاري أبناء جنسك. تقدم خطوة، فانكمش الضوء المتسرب من جسدها. — هذا شأنٌ يخصني. — ردت بتحدٍ. — شأنك؟ — ضحك بصوتٍ هزّ الجدران. — قوانين عالمنا ليست شأنًا فرديًا. أنت تعرفين الثمن: إمّا أن تعودي، أو تدفعي الفدية بدمه. أحس مروان بحرارة الكلمة الأخيرة كأنها سُكبت على جلده. تراجع نصف خطوة، لكن ليان أمسكت بيده، همست له: — لا تُظهر خوفك. إنه يتغذى عليه. رفع مروان عينيه نحو الظل، لم يعرف من أين جاءه الجرأة، لكنه قال: — إن كنتَ تريد أن تعاقب أحدًا، فعاقبني أنا. لم أجبرها على شيء. ضحك عاصم ثانية، لكن ضحكته هذه المرة كانت أشد سخرية: — بشري يتحداني؟ كم هو مسلٍّ! هل تعرف ما أنت مقبل عليه؟ أنت لا تفهم حتى معنى أن تقترب منّا. اقترب أكثر، حتى صارت المسافة بينه وبين مروان ضيقة. أحس الأخير بالبرد يخترق عظامه. رفع عينيه، وحاول ألا يتراجع. لكن ليان اندفعت فجأة، رفعت يدها، وانطلق من كفها شعاع أزرق خاطف، دفع عاصم للخلف لحظة. تزلزلت الغرفة، تحطمت بعض الكتب على الأرض. صرخت ليان: — اخرج من هنا يا مروان! لكنه لم يتحرك. كان يعرف أنه إن تركها الآن، فلن يراها ثانية. — لن أتركك. عاصم اعتدل، والغضب يتجمع حوله كعاصفة من السواد: — إذن لتعلم أن هذا مجرد إنذار. المرة القمروانة لن تجد من يحميك. وبسرعة عجيبة، انهار جسده الظليّ كدخان تلاشى عبر النافذة المفتوحة. عاد الضوء إلى الغرفة، لكن هواءها بقي مثقلًا برائحة رماد. جلس مروان على الأرض، يلهث، بينما ليان انحنت إلى جانبه، عيناها متألقتان بقلق حقيقي هذه المرة: — كان يجب أن تهرب. لقد رأى فيك شيئًا... لن يتوقف عند هذا. نظر إليها، والعرق يغطي جبينه: — دعيه يأتِ. ما دمتِ هنا، سأواجهه. ارتعشت شفتاها، كأنها تريد أن تقول شيئًا ولم تستطع. أخيرًا تمتمت: — لا تعرف الثمن يا مروان... قد تدفع حياتك كلها.

Comments (0)

Login to leave a comment

No comments yet. Be the first to share your thoughts!