Chapter 2: الهمس في الحلم
زهرة اللامرئي
دينا عزيز
9/17/2025
444 words
لم يستطع مروان أن يطفئ عقله تلك الليلة. كان السرير يضغط على جسده لكنه لم يُشعره بأي أمان. كلما أغلق عينيه، عاد المشهد: النافذة المعتمة، الهمسة الأخيرة، والسؤال الذي اخترق قلبه: "لمن تكتب؟"
انزلقت دقائق الليل ثقيلة. وأخيرًا، في لحظةٍ لم يعد يفرق فيها بين اليقظة والنعاس، رأى نفسه واقفًا من جديد داخل البيت المهجور. لكن هذه المرة لم يكن الغبار خانقًا ولا الجدران متداعية، بل بدت الحجارة صقيلةً كأنها مصقولة حديثًا، والهواء يلمع برذاذٍ ذهبي.
وفجأة، ظهرت أمامه فتاة. لم تكن صورةً ضبابية، بل حضورًا طاغيًا. بشعرٍ أسود ينثال حتى خصرها، وعيونٍ خضراء كأنها تحمل أعماق غابةٍ لا يعرفها. كانت ترتدي ثوبًا أبيض بسيطًا، لكنه يشعّ كالنور في عتمة البيت.
— من أنتِ؟ — سأل مروان، بالكاد يجد صوته.
ابتسمت الفتاة، ابتسامةً لم تكن دنيوية، وبدت كأنها تزن كل كلمة قبل أن تترك شفتيها:
— اسمي ليان.
قال الاسم فارتجف المكان من حولهما، كأن الجدران تعرفه جيدًا. اقتربت خطوة، فتراجع مروان غريزيًا، لكنها لم تبدُ مهددة؛ بل بدا في حركتها شيء من الحذر، كأنها هي الأخرى تخشى الاقتراب.
— لِمَ جئت إلى هذا المكان؟ — سألت بصوتٍ خافت، كنسمةٍ تداعب نافذة مغلقة.
— أبحث عن... كلمات. عن قصة. عن شيءٍ يجعلني أكتب بصدق. — قال مروان.
أطرقت ليان لحظة، ثم رفعت بصرها إليه:
— وماذا لو كانت الكلمات ثمنها حياتك؟
كان السؤال مثل سكينٍ ناعم يغوص في صدره. أراد أن يضحك، أن ينفي، لكن عينيها جعلت أي محاولة للتهرب بلا معنى.
في اللحظة ذاتها، تغيّر الحلم. الجدران التي كانت مضاءة بالنور بدأت تذوب في الظلام، وسُمع صوت كأنّه هدير ماءٍ عميق، أو غضب بعيد يقترب. نظرت ليان حولها بقلقٍ مفاجئ، ثم أمسكت بيده. كانت يدها باردة على نحوٍ يبعث الرعشة، لكن فيها قوّة شدّته إليها.
— استمع جيدًا، مروان. — همست مسرعة. — هذا المكان ليس لك. هناك قوانين لا تراها، وحدود لا تُكسر بلا ثمن. ابتعد قبل أن...
تقطّع كلامها فجأة، وكأن جدارًا خفيًا فرض الصمت. ظهر خلفها ظلّ ضخم، لا هيئة له إلا ضباب اسود تحرك ببطء. لم يستطع مروان أن يميّز وجهًا أو جسدًا، لكنه شعر به ككراهيةٍ تتجسّد.
— ليان... — نطق باسمها كاستغاثة.
التفتت إليه، نظرة عينيها الآن ممزوجة بين الخوف والرجاء:
— لا تذكر اسمي أمامهم. لا تدعهم يعرفون أنك التقيت بي.
وقبل أن يسأل "من هم؟"، انهار المشهد كمرآة تُكسر بضربةٍ واحدة. سقط من جديد في سريره، يتصبب عرقًا. الساعة كانت تشير إلى الثالثة صباحًا. نافذته نصف مفتوحة، والهواء البارد يتسلل. وعلى طاولته الخشبية، بجانب الدفتر المفتوح، رقدت وردة بيضاء لم تكن هناك حين نام.
أمسكها بيده المرتجفة. رائحتها لم تكن كرائحة أي ورد عرفه من قبل: عبقها خفيف، لكنه يترك أثرًا غريبًا في صدره، كأنه يفتح فراغًا داخله لا يعرف كيف يملأه.
جلس في الظلام، والوردة بين أصابعه، وعرف أن الحلم لم يكن حلمًا خالصًا.
Advertisement
No comments yet. Be the first to share your thoughts!