Chapter 3: التحذير

زهرة اللامرئي 482 words
استيقظ مروان متأخرًا، وثقل الليل لا يزال عالقًا في عينيه. النور النافذ من النافذة بدا بلا حرارة، وكأن اليوم لا يريد أن يبدأ. على الطاولة، كانت الوردة البيضاء ما تزال هناك، رغم أنه أقسم أكثر من مرة أنه وضعها في درج المكتب قبل أن ينام. لم تذبل، ولم تفقد بريقها. بل بالعكس: أوراقها ازدادت نقاءً كأنها قُطفت للتو. أخذ نفسًا عميقًا، ثم حمل الوردة واقترب من المرآة. كان يخشى أن يكتشف شيئًا غريبًا في انعكاسه، لكن صورته ظلت كما هي: شاب بملامح هادئة وعينين دامعتين من قلة النوم. ومع ذلك، شعر أن هناك شيئًا مختلفًا في ملامحه، كأنه يحمل أثرًا من عالمٍ آخر. طرق الباب فجأة. فتح مروان ليجد الشيخ ناصر واقفًا، يحمل بيده مسبحة خشبية وصوت أنفاسه يشي بقلقٍ متراكم. — جئت لأتأكد أنك بخير، — قال الشيخ بلهجة لم تخلُ من التوبيخ. — أنا بخير... ربما. لماذا؟ — لأنني رأيتك أمس تدخل البيت، ورأيت كيف خرجت. عيناك لم تعودا كما كانتا. لم يملك مروان إجابة. أدار وجهه، لكنه لم يستطع إخفاء الوردة. لمحها ناصر فورًا. تجمد في مكانه، ثم مد يده ليأخذها، لكن مروان سحبها سريعًا. — من أين حصلت على هذه؟ — صوته ارتجف. — وجدتها... حين استيقظت. — لا تمزح معي يا بني. هذه ليست وردة بشرية. اقترب ناصر، همس وكأن الجدران قد تسمعه: — هذا البيت هو مدخل. وهناك من لا يريد أن يُفتح. ارتبك مروان أكثر: — مدخل إلى ماذا؟ لكن الشيخ الكبير لم يجب مباشرة، اكتفى بأن وضع يده على كتفه وقال: — دع عنك ما رأيته، لا تذهب مرة أخرى. الطريق الذي بدأته لا رجعة فيه. في المساء، لم يستطع مروان أن يقاوم. قادته قدماه إلى المقهي الصغير حيث اعتادت سلمى — جارته وصديقته منذ الطفولة — أن تجلس لتكتب في دفاترها. وجدها في الركن البعيد، تغرق بين كتبها المعتادة. رفعت رأسها بابتسامة صافية: — تبدو شاحبًا. لم تنم جيدًا؟ — أكثر من ذلك. — أجاب، وجلس أمامها. سكت لحظة، ثم قرر أن يخبرها. قصّ عليها ما حدث، من دخوله البيت حتى الحلم الغريب والوردة. لم تقاطعه، فقط كانت تحدق فيه بجدية لم يعهدها منها. حين انتهى، أغلقت دفترها بعنف وقالت: — مروان... أنت تعرف أنني لا أؤمن بالخرافات. لكن... هذا يبدو حقيقيًا جدًا. — ماذا أفعل إذن؟ أترك الأمر وأتظاهر أن شيئًا لم يحدث؟ — ربما يجب أن تعرف أكثر. لكن بحذر. ابتسم بمرارة: — حذر؟ كيف أكون حذرًا من شيء لا أفهمه أصلًا؟ لم ترد. مدّت يدها وربتت على يده، كأنها تحاول أن تبقيه ثابتًا وسط تيارٍ يوشك أن يجرفه. تلك الليلة، عاد مروان إلى شقته مترددًا. حاول أن يكتب عن الحلم، لكنه لم يستطع. الكلمات تفرّ منه كلما وضع القلم على الورقة. وحين استسلم أخيرًا للنوم، عاد الصوت ذاته يهمس في أذنه. لكن هذه المرة لم يكن صوت ليان. بل كان صوتًا آخر، أكثر غلظة، يقطّع الهواء كالسكاكين: — أنتَ لستَ من عالمها. ابتعد... وإلا ستُمحى كما مُحي من قبلك. استيقظ مفزوعًا، العرق يغطي جسده كله. وحين نظر إلى طاولته، وجد الوردة البيضاء قد اسودّت أطرافها، كأنها تحترق ببطء من الداخل

Comments (0)

Login to leave a comment

No comments yet. Be the first to share your thoughts!