Chapter 6: أسرار ليان

زهرة اللامرئي 480 words
جلس مروان تلك الليلة في غرفته، الضوء الخافت ينسكب من المصباح كأنه لا يملك القوة لمواجهة الظلال التي أخذت تتكاثر في ذهنه. حاول أن يكتب، أن يضع كل ما حدث على الورق، لكن القلم توقف عند جملة واحدة: "رأيتها في العتمة، فأصبحت العتمة حولي أكثر وضوحًا." لم يدرِ كم من الوقت مر قبل أن يسمع خفقة خفيفة على زجاج نافذته. رفع رأسه، فوجدها. ليان، واقفة على الشرفة الضيقة، شعرها يتطاير مع ريحٍ لم يشعر بها من الداخل، وعيناها تلتمعان كما في حلمه. فتح النافذة بارتباك: — ليان... كيف وصلتِ؟ ابتسمت ابتسامة حزينة: — بالنسبة لي، الجدران ليست عائقًا. دخلت بخطوة مترددة، كأنها تخشى أن يرفض وجودها. وقفت في وسط الغرفة، نظرت إلى الكتب المتناثرة، الدفتر المفتوح، الوردة السوداء في زاويتها، ثم إلى مروان نفسه. — كان يجب ألا أعود. — قالت. — لكنني لم أحتمل أن أتركك تواجه الظل وحدك. اقترب منها خطوة: — من هو الظل؟ من الذي ناداك في البيت؟ سكتت طويلًا، حتى ظن أنه لن تأتيه إجابة. لكن حين رفعت بصرها إليه، كان في عينيها مزيج من الخوف والتمرّد: — اسمه عاصم. من أقدم أبناء عالمي. هو الحارس على القوانين... والجلاد لمن يتجاوزها. — ولماذا يلاحقني أنا؟ — لأنه يطمع بي منذ زمن. ووجودك أعطاه حجة. يقول إنني لو تجرأتُ واقتربت من بشر، فقدت حقي في الحماية. جلس مروان على الكرسي، يحاول استيعاب ما سمعه. — عالمك... كيف هو؟ أغمضت عينيها، ابتسمت وكأنها ترى ما لا يراه: — هو عالم من الضوء والظل معًا. كل شيء فيه حيّ أكثر مما ينبغي، وكل شعور يُعاقَب أو يُكافَأ. لا مكان فيه للحرية... ولا مكان للحب بيننا وبين البشر. فتح مروان فمه ليتكلم، لكنه لم يجد ما يقوله. الصراع في كلماتها كان أعمق من أن يُجاب عليه بجملة. — إذن لماذا جئتِ إليّ؟ — سأل أخيرًا. تقدمت نحوه، لمسة خفيفة من يدها على يده، باردة لكنها مفعمة بحياة غامرة: — لأنك كتبتني قبل أن تراني. لأن كلماتك كانت تصعد إلى عالمنا، وتشكّل خيطًا بيني وبينك. لم أستطع أن أتجاهلك. ارتجف قلبه. تذكر الجملة الأولى التي كتبها في دفاتره منذ أشهر: "أبحث عن امرأة من نورٍ وظل، تنقذني من خواء الحروف." هل كان يكتبها هو... أم كانت تُملَى عليه؟ لكن قبل أن يسأل، تغيّر وجهها فجأة. تقلّصت ملامحها بخوفٍ شديد، التفتت نحو النافذة. — عاصم يقترب. — همست. في اللحظة نفسها، ارتجّ الهواء في الغرفة، وانطفأ المصباح دون أن يُمس. الظلام غمر المكان، إلا من وهجٍ ضعيف كان يتصاعد من جسد ليان نفسها. — عليك أن تختبئ، — قالت، لكن صوتها ارتجف. — إن وجدك هنا، لن يتركك حيًا. اقترب منها مروان، عوض أن يهرب. نظر في عينيها وقال: — لن أختبئ. إن كان طريقك يمرّ بي، فلن أهرب من قدري. قبل أن تجيبه، دوى صوت عميق، أجش، يملأ الغرفة كما لو خرج من كل جدار في آن: — ليان... هل تظنين أن ظلّك سيخفيك عني؟ الهواء أصبح أثقل، حتى شعر مروان أن أنفاسه تختنق. ليان أمسكت بيده بشدّة، نظرة حادة في عينيها: — استعد. الليل لن يكون رحيمًا بعد الآن.

Comments (0)

Login to leave a comment

No comments yet. Be the first to share your thoughts!